فصل: 12- باب الحث عَلَى الازدياد من الخير في أواخر العمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.12- باب الحث عَلَى الازدياد من الخير في أواخر العمر:

قَالَ الله تَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
قَالَ ابن عباس والمُحَقِّقُونَ: أَو لَمْ نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً؟ وَيُؤَيِّدُهُ الحديث الَّذِي سنذْكُرُهُ إنْ شاء الله تَعَالَى، وقيل: معناه ثماني عَشْرَة سَنَةً، وقيل: أرْبَعينَ سَنَةً، قاله الحسن والكلبي ومسروق ونُقِلَ عن ابن عباس أيضًا. وَنَقَلُوا أنَّ أَهْلَ المدينَةِ كانوا إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ أربْعينَ سَنَةً تَفَرَّغَ للعِبادَةِ، وقيل: هُوَ البُلُوغُ.
وقوله تَعَالَى: {وجَاءكُمُ النَّذِيرُ} قَالَ ابن عباس والجمهور: هُوَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: الشَّيبُ، قاله عِكْرِمَةُ وابن عُيَيْنَة وغيرهما. والله أعلم.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
هذا توبيخ من الله تعالى لأهل النار. يقول: أَوَ مَا عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم.
قال قتادة: اعلموا أنَّ طول العمر حجَّة، فنعوذ بالله أنْ نُعيَّر بطول العمر، قد نزلت هذه الآية: {أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ}، وأنَّ فيهم لابن ثماني عشرة سنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه: {أَوَ لَم نُعَمِركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيِه مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37].
وقال الشاعر:
إذا بلغ الفتى ستين عامًا ** فقد ذهب المسرة والفتاء

وعن قتادة: {وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ} احتج عليهم بالعمر والرسل.
وقرأ عبد الرحمن بن زيد: {هَذَا نَذِيُرُ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى}.
والشيب، نذير أيضًا؛ لأنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سِنِّ الصبا الذي هو سِنُّ اللهو واللعب. قال الشاعر:
رأيت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير

112- وأما الأحاديث فالأول: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أعْذَرَ الله إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أجَلَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً». رواه البخاري.
قَالَ العلماء: معناه لَمْ يَتْرُكْ لَهُ عُذرًا إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ. يقال: أعْذَرَ الرجُلُ إِذَا بَلَغَ الغايَةَ في العُذْرِ.
المعنى: أنَّ الله تعالى لم يُبْقِ للعبد اعتذارًا. كأن يقول: لو مُدَّ لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به. فينبغي له الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية.
113- الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ عمر رضي الله عنه يُدْخِلُنِي مَعَ أشْيَاخِ بَدرٍ فكأنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ في نفسِهِ، فَقَالَ: لِمَ يَدْخُلُ هَذَا معنا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثلُهُ؟! فَقَالَ عُمَرُ: إنَّهُ منْ حَيثُ عَلِمْتُمْ! فَدعانِي ذاتَ يَومٍ فَأدْخَلَنِي مَعَهُمْ فما رَأيتُ أَنَّهُ دعاني يَومَئذٍ إلا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تقُولُون في قولِ الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1].
فَقَالَ بعضهم: أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ إِذَا نَصَرنَا وَفَتحَ عَلَيْنَا، وَسَكتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيئًا. فَقَالَ لي: أَكَذلِكَ تقُول يَا ابنَ عباسٍ؟ فقلت: لا. قَالَ: فما تقول؟ قُلْتُ: هُوَ أجَلُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمَهُ لَهُ، قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} وذلك علامةُ أجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].
فَقَالَ عمر رضي الله عنه: مَا أعلم مِنْهَا إلا مَا تقول. رواه البخاري.
في هذا الحديث: فضل ابن عباس وسِعة علمه، وكمال فهمه، وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يفقٌهه الله في الدين، ويعلمه التأويل.
فكم من صغير لاحظته عناية ** من الله فاحتاجت إليه الأكابر

114- الثالث: عن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا صلّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بَعْدَ أنْ نَزَلتْ عَلَيهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول فِيهَا: «سُبحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية في الصحيحين عنها: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أنْ يقُولَ في ركُوعِه وسُجُودهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، يَتَأوَّلُ القُرآنَ.
معنى: «يَتَأَوَّلُ القُرآنَ» أي يعمل مَا أُمِرَ بِهِ في القرآن في قوله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وفي رواية لمسلم: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ أنْ يَقُولَ قَبلَ أنْ يَمُوتَ: {إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} … إِلَى آخِرِ السورة.
وفي رواية لَهُ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ مِنْ قَولِ: «سبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ أسْتَغفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْهِ». قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ، أَراكَ تُكثِرُ مِنْ قَولِ سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدهِ أسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إِلَيْه؟ فَقَالَ: «أخبَرَني رَبِّي أنِّي سَأرَى عَلامَةً في أُمَّتي فإذا رَأيْتُها أكْثَرْتُ مِنْ قَولِ: سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمدهِ أسْتَغْفرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْه فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكّة، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}».
في هذا الحديث: مواظبته صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحمد والاستغفار في ركوعه وسجوده، وأشرف أوقاته وأحواله.
وفيه: خضوعه صلى الله عليه وسلم لربه وانطراحه بين يديه، ورؤية التقصير في أداء مقام العبودية، وحق الربوبية.
وفيه: الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر.
115- الرابع: عن أنس رضي الله عنه قَالَ: إنَّ اللهَ عز وجل تَابَعَ الوَحيَ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَبلَ وَفَاتهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيَ عَلَيِّه. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحِكمة في كثرة الوحي عند وفاته صلى الله عليه وسلم، لتكمل الشريعة فلا يبقى مما يوحى إليه بشيء. قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3].
وكان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن يعمل بما فيه.
116- الخامس: عن جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: تحريضٌ للإِنسان على حسن العمل، وملازمة الهَدْي المحمدي في سائر الأحوال، والإِخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال، ليموت على تلك الحالة الحميدة فيُبعث كذلك، وبالله التوفيق.

.13- باب في بيان كثرة طرق الخير:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215].
فيجزيكم عليه.
وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله} [البقرة: 197].
فلا يُضيِّعه.
وَقالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
يعني: يرى جزاءه في الآخرة.
قال سعيد بن جبير: كان المسلمون يَرَوْن أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، وكان آخرون يَرون أنْ لا يُلامون على الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباهها. فنزلت: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [الجاثية: 15].
والآيات في الباب كثيرة.
كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وغيرها.
وأما الأحاديث فكثيرة جدًا وهي غيرُ منحصرةٍ فنذكُرُ طرفًا مِنْهَا:
117- الأول: عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ». قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَنًا». قُلْتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ». قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». مُتَّفَقٌ عليه.
«الصَّانِعُ» بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، وروي «ضائعًا» بالمعجمة: أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ، «وَالأَخْرَقُ»: الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ.
في هذا الحديث: بيان كثرة طرق الخير، وأن الإنسان إذا عجز عن خصلة من خصال الخير قدر على الأُخرى، فإذا عجز عن ذلك كفَّ شرّه عن الناس. وما لا يُدرك كلّه لا يترك جُلُّه.
118- الثاني: عن أبي ذر أيضًا رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍ صَدَقَة، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ، وَيُجزئُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم.
«السُّلامَى» بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
قال في القاموس: المفاصل: مفاصل الأعضاء، الواحد منها كَمَنْزِلٍ. والمِفْصَلُ: كمِنْبَرٍ. اللسان.
وفي هذا الحديث: فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنَّ الصدقة تكون بغير المال من جميع أنواع فعل المعروف والإِحسان.
وفيه: فضل صلاة الضحى، وأنها تكفي من صدقات الأعضاء؛ لأنَّ الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
119- الثالث: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِئِ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررًا. وأنَّ القليل من الخير والشر مكتوب على العبد، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
120- الرابع: عَنْهُ: أنَّ ناسًا قالوا: يَا رَسُولَ الله، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ، قَالَ: «أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ: إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قالوا: يَا رسولَ اللهِ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ؟ قَالَ: «أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رواه مسلم.
«الدُّثُورُ» بالثاء المثلثة: الأموال وَاحِدُهَا: دثْر.
في هذا الحديث: فضل التنافس في الخير، والحرص على العمل الصالح، وجبر خاطر من لا يقدر على الصدقة، ونحوها، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
وفيه: أنَّ فعل المباحات إذا قَارنَهُ بنيَّة صالحة يؤجر عليه العبد.
121- الخامس: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: الحثُّ على فعل المعروف قليلًا كان أو كثيرًا، بالمال، أو الخُلُق الحسن.
122- السادس: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ورواه مسلم أيضًا من رواية عائشة رَضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمائة مفْصَل، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وحَمِدَ الله، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ الله، وَاسْتَغْفَرَ الله، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَريقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظمًا عَن طَريقِ النَّاسِ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمائَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ».
السُّلاَمَى: المِفْصل. فيصبح على ابن آدم كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة بعدد مفاصله. فمن أتى بعددها من الطاعات الفعلية والقولية فقد أدّى شكر الله فيها.
123- السابع: عَنْهُ، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المسْجِد أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«النُّزُلُ»: القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف.
في هذا الحديث: فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد.
124- الثامن: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قَالَ الجوهري: الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ.
في هذا الحديث: الحث عى صلة الجارة ولو بظلف شاة، وفي معناه الحديث الآخر: «إذا طبختَ مرقةً فأكْثِر ماءَها، وتعاهد جيرانك».
125- التاسع: عَنْهُ، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَولُ: لا إلهَ إلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«البِضْعُ» من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. وَ«الشُّعْبَةُ»: القطعة.
شعب الإيمان: هي الأعمال الشرعية، وهي تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان، وأعمال البدن.
126- العاشر: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» قالوا: يَا رَسُول اللهِ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فقَالَ: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: «فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ» وفي رواية لهما: «بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
«المُوقُ»: الخف. وَ«يُطِيفُ»: يدور حول «رَكِيَّةٍ»: وَهِي البئر.
في هذا الحديث: فضْل الإِحسان إلى الحيوان، وأنه سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة.
127- الحادي عشر: عَنْهُ، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَقدْ رَأيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ». رواه مسلم.
وفي رواية: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ».
وفي رواية لهما: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».
في هذا الحديث: فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضررًا، وأنَّ ذلك سبب للمغفرة ودخول الجنة.
128- الثاني عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا». رواه مسلم.
معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام: أنَّ الحسنةَ بعشر أمثالها.
وفي الحديث الآخر: إشارة إلى الحث على إقبال القلب والجوارح على الخطبة، واجتناب العبث.
129- الثالث عشر: عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: فضل الوضوء، وأنه يمحو خطايا الجوارح ويكفر الذنوب.
130- الرابع عشر: عَنْهُ، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: سعة رحمة الله تعالى، وأنَّ المدوامة على الفرائض تكفر الصغائر من الذنوب، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32].
131- الخامس عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رسولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
إسباغ الوضوء: استيعاب أعضائه بالغسل. وسُمِّيت هذه الثلاث رباطًا؛ لأنَّ أعدى عدو للإنسان نفسه، وهذه الأعمال تسدُّ طرق الشيطان والهوى عن النفس، فإن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر.
132- السادس عشر: عن أبي موسى الأشعرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«البَرْدَانِ»: الصبح والعصر.
وجه تخصيصهما بالذكر عن سائر الصلوات: أنَّ وقت الصبح يكون عند لذّة النوم، ووقت العصر يكون عند الاشتغال، وأنَّ العبد إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما.
133- السابع عشر: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». رواه البخاري.
في هذا الحديث: عظيم فضل الله، وأنَّ من كان له عمل دائم فتركه لعذر صحيح، أنه يكتب له مثل عمله.
134- الثامن عشر: عن جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» رواه. البخاري، ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة رضي الله عنه.
في هذا الحديث: أن كل ما يفعل الإنسان من أعمال البرَّ والخير فهوصدقة يُثاب عليها.
135- التاسع عشر: عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقَةً». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «فَلا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَّةٌ وَلا طَيْرٌ إلا كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ».
وفي رواية لَهُ: «لا يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرسًا، وَلا يَزرَعُ زَرعًا، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَةٌ وَلا شَيءٌ، إلا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».
وروياه جميعًا من رواية أنس- رضي الله عنه.
قوله: «يَرْزَؤُهُ» أي ينقصه.
في هذا الحديث: سعة كرم الله تعالى، وأنَّه يثيب على ما بعد الحياة، كما يثيب عليه في الحياة، وأنَّ ما أخذ من الإنسان بغير عمله فهو صدقة له.
136- العشرون: عَنْهُ، قَالَ: أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لهم: «إنَّهُ قَدْ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد؟» فقالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ. فَقَالَ: «بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». رواه مسلم.
وفي روايةٍ: «إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً». رواه مسلم.
ورواه البخاري أيضًا بِمَعناه مِنْ رواية أنس رضي الله عنه.
وَ «بَنُو سَلِمَةَ» بكسر اللام: قبيلة معروفة مِنَ الأنصار رضي الله عنهم، وَ«آثَارُهُمْ»: خطاهُم.
في هذا الحديث: أنَّ المشي إلى المسجد من الحسنات التي تُكتب لصاحبها. ويشهد له قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].
137- الحادي والعشرون: عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلًا أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ». رواه مسلم.
وفي رواية: «إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ».
«الرَّمْضَاءُ»: الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد.
في هذا الحديث: دليل على فضل تكثير الخطا إلى الذهاب إلى المسجد، وأنه يكتب له أجر ذهابه إلى المسجد ورجوعه إلى أهله.
138- الثاني والعشرون: عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ- رَضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أرْبَعُونَ خَصْلَةً: أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلا أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ». رواه البخاري.
«المَنيحَةُ»: أنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ.
قوله: «أربعون خصلة». أي: من البِرّ دون منيحة العنز، كالسلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، ونحوذلك من أعمال الخير، قال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
139- الثالث والعشرون: عن عَدِي بنِ حَاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: سمعت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ تَمْرَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لهما عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إلا النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
في هذا الحديث: الحضُّ على الزيادة من صالح العمل، والتقليل من سيء العمل، وأنَّ الصدقة حجاب عن النار، ولو قَلَّت بمال، أو كلام.
140- الرابع والعشرون: عن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». رواه مسلم.
وَ «الأَكْلَةُ» بفتح الهمزة: وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ.
في هذا الحديث: بيان فضل الحمد عند الطعام والشراب، وهذا من كرم الله تعالى، فإنه الذي تفضَّل عليك بالرزق، ورضي عنك بالحمد.
141- الخامس والعشرون: عن أَبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «عَلَى كلّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالَ: أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالَ: أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، قَالَ: «يَأمُرُ بِالمعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ» قَالَ: أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: الحثُّ على اكتساب ما تدعو إليه حاجة الإنسان من طعام، وشراب، وملبس، ليصون به وجهه عن الناس، واكتساب ما يتصدق به ليحصل له الثواب الجزيل.
وفيه: فضل إعانة المحتاج والمضطر، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وفيه: فضل الأمر بالمعروف والخير.
وفيه: أنَّ الإمساك عن الشرّ صدقةٌ.